كلمة المحرر
هذا
ما جنته أمريكا من العراق بعد مرور ألف يوم على احتلاله
منذ أسابيع مضت ذكرى مرور ألف يوم على الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق . وبهذه المناسبة نشرت عددٌ من الصحف العالمية دراسات وتحليلات وإحصائيات للوقائع ، وقراءةً متأَنـِّية تكاد تكون دقيقة للتداعيات التي أدّى إليها الاحتلالُ .
وتناقلت الصحفُ الشرقيةُ ما قالته صحيفةُ «الإندبندنت» البريطانية بهذا الخصوص ، ونشرته من التقرير ، الذي أشار
إلى الثمن الباهظ الذي دفعته أمريكا حتى الآن ؛ حيث تكلّفت 204 مليارات دولار ،
بينما كانت تكلفةُ الخزانة البريطانية ما يزيد عن 503 مليار جنيه إسترليني . وقد
صدق أحد الكتاب الصحفيين العرب ، إذ قال: لوكانت الولايات المتحدة الأمريكية
وبريطانيا تريدان حقًّا تحقيقَ عراق مزدهر وديمقراطي ، لانسحبتـا من العراق إثر
إسقاط النظام ، ودفعتا هذه الأموالَ لإعمار العراق ؛ ولكن لأن هناك أجندة أمريكية
لتحقيق إمبراطورية أمريكية وهيمنة صهيونية ، فإنهما تكبّدتا هذه الأموال الطائلة ،
التي كان يكفي أقل منها بـ 20٪ لإعمار العراق ؛
فوفقًا لتقديرات البنك الدولي ، إنما يحتاج العراق إلى 36 مليار دولار لتحقيق
إعمار كامل ونهائي .
وقالت
«الإندبندنت»
مضيفةً : إنّه بعد ألف يوم من الاحتلال ، بلغ عدد القتلى الأمريكيين – وفقًا
للإحصائيات الأمريكية الرسمية وناهيك عن الحقيقية – 2339 قتيلاً و 16 ألف جريح ،
وبلغ عدد القتلى الريطانيين 98 قتيلاً . ناهيك عن الخسائر لدى القوات الأخرى
المتعددة الجنسيّات : البولندية ، والأسترالية ، والبلغارية ، والإيطاليّة ،
وغيرها .
وأضافت
الصحفيـة : إن 30 ألف مدني عراقي قد قُتِلُوا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى
والمعوّقين ، وإن 80٪
من أطفال العراق يعانون سوءَ التغذية ، ويتسرّب الكثير منهم من المدارس ، وإن 68٪ من العراقيين
يشعرون بأنهم أقلُّ أمنًا من العهد السابق ، وإنّه تمّ اختطاب 251 أجنبيًّا منذ
بدء الحرب وإن 5 مدنيين أجانب يُخْتَطَفُون شهريًّا ، وإنّ معدّل التضخّم المالي
بلغ 20٪
في العراق في عام 2005م ، وتتراوح البطالة بين 25 و 40٪
، وإن 47٪
من العراقيين لايحصلون أبدًا على إمدادات كافية من الكهرباء ، وإنّ 70٪ من العراقيين
يعانون سوءَ خدمات الصرف الصحّي .
وأضافت
الصحفُ العربيةُ في تحليلها للأحداث العراقية إلى ما قالته الصحيفة ما يأتي :
●
هناك عشرات من المدن قُصِفَتْ ودُمِّرتْ بيوتها مع مرافقها وجميع ما فيها . أمثال «الفلوجة»
و «الرمادي»
و «الحديثة»
و «بعقوبة»
وأخيرًا – لا آخرًا – «السامرّاء»
وكذلك جميع المدن التي تشكل «المثلث
السنّي».
والمذابح الجماعية يتم تنظيمها على يد القوات العراقية أو الأمريكية أو هما معًا .
●
عشرات الألوف من الأسرى والمتعقلين ، إلى جانب ممارسة أنواع شتّى من التعذيب
وانتهاك حقوق الإنسان . وقد تم فضح بعضها ، مثل ما حدث في سجن «أبي
غريب»
على يد القوات الأمريكية ، أو في سجون وزارة الداخلية و«فيلق
بدر»
التابع للمجلس الأعلى : «جماعة
الحكيم»
التي افتضح منها ما حدث في «الجادرية»
وغيرها — وبديهيٌّ أنّ ما لم يتمَّ فضحُه وكشفُه أكثر عشرات المرات ممّا تمّ كشفُه
. وهكذا فبعد ألف يوم من الاحتلال ، حقوقُ الإنسان التي زعم الأمريكانُ أنهم جاؤوا
لتحقيقها هي أكبر ضحاياهم .
●
لم يتمّ العثور على أيّ نوع من أسلحة الدمار الشامل التي زعمت أمريكا أنها تتوفّر
في العراق ، وأنّها تهدّد أمريكا، وأنها تشكّل خطرًا محتّمًا على العالم ، والتي
اتخذها «بوش»
المُسَوِّغَ الرئيسَ للعدوان ، ولفّق بشأنها شواهد ودلائل هو و وزير دفاعه «رامسفيلد»
و وزارة خارجيته ومندوبوه لدى الأمم المتحدة . وذلك لايعني بصراحة إلاّ أن مسؤولي
الإدارة الأمريكية الكبار كاذبون مائةً في المائة .
●
المقاومة العراقية تتصاعد مع الأيام ، وقد استطاعت أن تُنْزِل أفدحَ الخسائر على
القوات الأمريكية والمتعاونين معها. وتمّ تنظيم عشرات العمليات العسكرية الأمريكية
والعراقية والمشتركة للقضاء على المقاومة ؛ ولكنها لم تُجْدِ نفعًا . وهذا يعني أن
الشعوب أقوى من الجيوش ، وأن إرادة الشعوب لايمكن قهرُها ، وأن المقاومة العراقية
الباسلة هي التي عطَّلت المشروعَ الأمريكيَّ الإمبراطوريَّ والهيمنةَ الصهيونيّةَ
في المنطقة . وسوف تصبح نموذجًا يُحْتَذَىٰ لجميع الشعوب المغلوبة على أمرها
. وقد ثبت الآن – وبما لايدع مجالاً للشكّ – أنّ من الممكن مقاومةُ أيّ جيش مهما كانت
قوتُه حتى ولو كان الجيش الأمريكي – أقوى الجيوش في التأريخ حتى الآن – ولولا تلك
المقاومة المشرفة لأصحبت المنطقة في قبضة الحلف الأمريكي الصهيوني ؛ بل لأصبح
العالم أكثر خضوعًا للأمريكان ، ولازداد الفساد الأمريكيّ الصهيونيّ في العالم
بطريقة هائلة .
وقد
أكّد تقرير دوليّ حديث أن المقاومة العراقية أكثر تطوّرًا وتنظيمًا ، وأشار إلى
تغيّر محوريّ في شكل فصائل المقاومة العراقية ؛ حيث تتحرك وفق التطورات السياسية
في المنطقة . كشف تقرير «مجموعة
الأزمات الدولية» غير الحكومية أنّ
عددًا من كبرى تنظيمات العراق المسلحة التي تستخدم أحدث تقنيات الاتصال تزداد
نفوذًا وتفرض هيمنتها على الساحة . وأشار إلى تنامي قوة المقاومة التي يحرّكها
العربُ السنةُ وأنّها أصبحت أكثر ثقة وأفضل تنظيمًا وتنسيقًا وإدراكاً للمعلومة .
●
الاحتلال الأمريكي للعراق أطلق العنانَ للغرائز الطائفيّة ، وأوجدها وقوّاها ،
حينما اكتشف أنه لن ينتصر على المقاومة ، فأراد أن يمهّد العراق ليكون مستنقعًا
للطائفيّة . ولم يكن تفجير قبة الضريح في «سامراء»
إلاّ وسيلةً إلى إثارة الطائفية بحدّة وسورة مزيدة . وقد قام بذلك الموساد
الإسرائيلي و الاستخبار الأمريكي كما تأكّد ذلك لكل من يتابع الموقفَ عن كثب وبعمق
.
●
جميع الأوراق التي استخدمها الاحتلالُ لم تنفع في إقناع العراقيين بالاحتلال ، ولا
في إضعاف المقاومة ، ولا في فضّ الشعب ولاسيما السنة من حولها . على الرغم من أنّ
الاحتلال نظّم انتخابات تأسيسيّة ، ثم استفتاءً على مسودة الدستور ، ثم انتخابات
تشريعيّة ؛ لكن كل ذلك لم يغيّر شيئًا في حقيقة الواقع . إنّ الشعب متوفّر على
مواجهة احتلال أجنبي ، ليس إلاّ.
●
العراقيّون تذوّقوا في عهد الاحتلال –
ولايزالون – من صنوف العذاب المروّع البشع مالم يذوقوه في التأريخ ، رغم أن العراق
تعرّض عبر التاريخ لغارات عديدة وتدميرات شاملة . والموقف بمجموعه يشكّل مأزقًا
للأمريكان ، مما جعلهم يفكرون في إيجاد مخلص للانسحاب الكلي والجزئي والهروف من
جهنّم العراق التي صنعوها بأيديهم ليحترقوا فيها بإذن الله حتراقًا سيشعرون بلهيبه
عبر التأريخ الأطول ، وستوصي أجيالهُم القادمة أجيالَها اللاحقة أن لايقترب من هذه
النار للأبد ، إن شاء الله .
[التحرير]
(تحريرًا
في الساعة 11 من يوم الاثنين : 4/ ربيع الأول 1427هـ = 3/أبريل 2006م)
*
* *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني
1427هـ = أبريل – مايو 2006م ، العـدد : 3–4 ، السنـة : 30.